طب العيون
ينقل علي الدفّاع في كتابه رواد علم طب في الحضارة العربية والإسلامية كيف عُرفَ طب العيون قديماً عند العرب والمسلمين في العصور الإسلامية بعلم الكحالة، والكحّال هو الشخص الذي عنده خبرة ومعرفة جيدة بالأمراض التي تصيب العين، ولديه مقدرةٌ على علاجها بمهارةٍ باستعمال الأغذية والأدوية أوالجراحة. كما يجب على الكحال أيضاً أن يُلمَّ تماماً بتشريح العين،
ربما يتجاهل العالم أجمع أن طب العيون أصله بالكامل هو العرب… و ذلك واضح في المصطلحات العربية، و التي ترجمت إلى الإنجليزية بتطابق… و فيما يلى أمثلة على بعض تلك المصطلحات:
شبكية العين: باللغة العربية تسمى ” الردينة” و بالإنجليزية ” Retina”
القرنية: باللغة العربية ” القرنية” و بالإنجليزية ” Cornea”
حجاج العين: بالعربية ” المربض” و بالإنجليزية ” Orbit”
إلى غير ذلك من المصطلحات المتطابقة.
لقد اهتم الأطباء العرب بجراحة العين وملحقاتها، كالأجفان وما يعتريها من تشوهات واستئصال الأورام والسعفات وترميم الأجفان المتهدلة لغرض التجميل، ثم تعديل تشوهات حافات الأجفان من انطمار أو انتشار، وقد ذكروا بالتفصيل جراحة الأجفان والظفرة أو الجنيح، إضافة إلى جراحة السبل الذي كان شائعاً بسبب التراخوما، ثم جراحة الساد.
جراحة الساد
أطلق الأطباء العرب الأوائل تعبير الماء النازل في العين للدلالة على الساد، وقد ورد ذلك في الأوائل من كتب الطب العربية مثل: (العشر مقالات في العين) لحنين بن إسحق العبادي (808 ـ 873)، وهو أول كتاب كامل عن العين. ثم (المنصوري) و(الحاوي في الطب) لأبي بكر الرازي (986م ـ 935)، و(القانون) لابن سينا(984 ـ 1038)، و(المعالجات البقراطية) لمحمد بن أبي الحسن الطبري (976)، و(الكامل في الصناعة الطبية) لعلي بن العباس الأهوازي (944)، و(التصريف لمن عجز عن التأليف) لخلف بن عباس الزهراوي(1030)، و(تذكرة الكحالين) لعلي بن عيسى (1025)، و(المنتخب في أمراض العين وعللها ومداواتها بالأدوية والحديد) لعمار بن علي الموصلي (1038).
وعندما ترجم قسطنطين الأفريقي كتاب: (العشر مقالات في العين) إلى اللاتينية، وانتحل الكتاب لنفسه، استعمل لغرض التمويه كلمة كتاركت كترجمة يونانية لكلمة نزول الماء من العين. وعندما ترجم جيراردوس الكريموني(1114 ـ 1187)كتاب أبي القاسم الزهراوي (التصريف لمن عجز عن التأليف) ترجم عبارة قدح الماء النازل في العين بعلاج الماء النازل في العين.
وقد وردت في ترجمة كتاب (القانون) لابن سينا، وكتاب (المنصوري) للرازي، كلمة الماء للدلالة على المرض العيني ذاته ولم تستعمل كلمة كتاركت. وحتى إن غي دي تشولياك أشهر طبيب فرنسي في القرن الرابع عشر، ذكر في كتابه كلمة الماء، وقد اقتبس (62) مرة من كتاب (تذكرة الكحالين) لعلي بن عيسى، في كتابه الشهير الجراحة الكبرى، ثم شاع استعمال (كتاركت) التي تعني باللاتينية شلال الماء،وأصبحت النموذج المحتذى به في الترجمات اللاتينية للكتب الطبية العربية في القرن الثاني عشر وما بعده، أما أطباء العيون العرب الذين أتوا في القرن الثالث عشر وبرزوا في سورية ومصر مثل خليفة بن أبي المحاسن الحلبي، وصلاح الدين الحموي، وابن النفيس، فجميعهم سموه الماء، ووصفوه بأنه مرض سدي لأنه يسد نور العين.
لقد تتلمذ الأطباء العرب على يد الإغريق وبخاصة جالينوس، وأعجبوا بكتابه (منافع الأعضاء)، وسلموا بالمفهوم الإغريقي الخاطئ بالنسبة لطبيعة الساد وتموضعه، فوقعوا في الخطأ الذي وقع فيه أسلافهم، بعضهم اعتبره تكثفاً في السائل البروتيني أمام الجسم البلوري في البؤبؤ، وبعضهم اعتبره يتموضع بين العدسة البلورية والمشيمة كالزهراوي، أو بين القرنية والمشيمة كعلي بن العباس الأهوازي وابن سينا، لكن ابن النفيس أوضح أن الماء يقع خلف العنبية أو القزحية. ولسوء الحظ لم يشرح الأطباء العرب عيناً مصابة بالساد مع أنهم طالما شرحوا الأعضاء وعنوا بتشريح الجسم، فاعتبروا مثل أسلافهم اليونانيين أن العدسة البلورية هي العضو الرئيسي للبصر، وهي أشرف أجزاء العين، وأنها مركز الرؤية، وأنها المغذوة المخدومة التي ينبعث الروح الباصر منها إلى الدماغ عبر العصب البصري، وأن تلفها يمحق البصر.